الملك رمسيس التاني بعد كارثة حادثة القطار المؤلمة، عاشت مصر هذه الأيام حدث آخر هام أثار فضول الرأي العام، و هو حدث نقـل تمثال الملك الفرعوني رمسيس الثاني من مكانه المُعتاد بمنطقة باب الحديد في ميدان رمسيس وسط القاهرة، إلى مكانه الجديد و الدائم بالمتحف المصري الكبير الحديث النشأة في هضبة الهرم بمنطقة الجيزة و تحديداً عند ميدان الرماية، و قد تمت عملية النقل هذه ليلة الجمعة 23 غشت (أغسطس) 2006 وسط عشرات الآلاف من المواطنين المصريين البسطاء الذين أتوا لتوديع ملكهم و مراقبة عملية نقله التي استغرقت أكثر من 6 ساعات، حيث قطع التمثال رمسيس الثاني مسافة 30 كيلومتر على متن عربة ضخمة صممت خصيصاً من أجل إتمام العملية بنجاح، و تعتبر عملية نقل التمثال عملية صعبة و دقيقة اتخذت فيها جميع وسائل الضمانات و الحرص لحماية التمثال من أي أذى غير متوقع و ذلك نظرا لأهميته التاريخية و الأثرية الكبيرة، و يزن تمثال الفرعون رمسيس II المصنوع من حجر الكرانيت و المكون من ستة قطع أكثر من 80 طن و يبلغ طول ارتفاعه ب11 متر بالضبط، و حسب ما ذكرته وسائل الإعلام المصرية فقد بلغت تكلفة عملية النقل ما يزيد عن 6 مليون جنية مصري حيث قد بدأ التحضير لإنجاز هذه العملية منذ أكثر من سنة تقريبا أشرفت عليها وزارة الثقافة المصرية و شركة المقاولون العرب و المجلس الأعلى للآثار الذي يتولى أمانته العامة العالم الأثري العالمي المعروف: دكتور زاهي حواس.
و يرجع سبب اتخاذ و تنفيذ قرار نقل تمثال رمسيس الثاني من موقعه إلى تدهور هيئته الخارجية و الجسمانية بفعل التلوث البيئي المحيط به الناتج عن حركة سير السيارات و القطارات و الخطر الذي يهدده من قِبل مترو الأنفاق الذي يمر أسفل منه، و أيضا بفعل فقدان التمثال لرونقه و قيمته الجمالية و الفنية بسبب انتشار المباني السكنية و امتداد الجسور التي تحجب عنه الرؤية، و بذلك سيكون تمثال الملك رمسيس II أول قطعة ضخمة تنقل إلى المتحف المصري الجديد من بين 150 ألف قطعة أثرية ستنقل إلى المتحف لاحقا؛ و هذه نبذة تاريخية عن حياة الملك المهيب فرعون مصر رمسيس الثاني:
يُعتبر الملك رمسيس الثاني من أعظم و أمجد فراعنة مصر و أبرز ملوك السلاالة التاسعة عشر في حقبة الإمبراطورية و الحضارة المصرية، وهو حفيد رمسيس الأول و ابن الملك سيتي الأول و أمه هي الملكة تويا، و حسب الروايات فقد عاش رمسيس الثاني مدة 99 سنة وحكم مصر حوالي 67 سنة من العام 1279 ق.م إلى 1212 ق.م، و لدى الملك رمسيس الثاني 90 إبنا (48 إناث و 52 ذكور) حيث كان شخصا دنجوانا و مزواجا و كانت أهم و أحب زوجة عنده هي الملكة «نفرتاري» التي كان يلقبها بسيدة الحب فمن كثرة حبه فيها شيد لها معبد أبو سمبل الصغير تمجيدا و تخليدا لها، و لرمسيس الثاني عدة إنجازات و أعمال معمارية و هندسية عظيمة التي تعتبر الآن قيمة أثرية و حضارية كبيرة، فقد استطاع أن يبني و يشيد العديد من المعابد و التماثيل المختلفة الأحجام و المثيرة للدهشة و الإعجاب من أهم هذه المعابد التحفة الحقيقية معبدي "أبو سمبل" الصغير و الكبير و هما أكثر المعابد الفرعونية روعة و عظمة التي تدل على قوة و جبروت الملك رمسيس الثاني، و الأكثر إبهارا و إدهاشا في معبد أبو سمبل هو ذلك الإتجاه الذي اتخذه المصريون القدامى لبناء المعبد بحيث تستطيع أشعة الشمس الدخول إلى المعبد مرتين في السنة لتنير وجه رمسيس الثاني، المرة الأولى يوم 22 فبراير مناسبة اعتلائه العرش و المرة الثانية يوم 22 أكتوبر مناسبة مولده، و تعد هذه معجزة كونية و فلكية لا تصدق، و أيضا تعددت إنجازات الملك العمرانية المهولة في الكرنك و الأقصر و طيبة و بلاد النوبة، حيث قام بإضافة الفناء الشاسع ذو الأعمدة الضخمة إلى معبد الأقصر و أنجز القاعدة المعمَّدة بالكرنك و أنجز لنفسه معبد جنائزي في طيبة، هذا بالإضافة إلى تماثيله الكثيرة التي تركها و هي تُعرض حاليا في المتحف المصري بالقاهرة و أغلبها تُعرض في المتاحف الأروبية و العالمية، و تميزت فترة حكم رمسيس الثاني في البداية بحربه ضد الحيثيين بسورية في معركة قادش الثانية، فبعد أكتر من 16 سنة من الحرب التي لم يستطع أحد أن يهزم فيها الآخر أبرم الملك رمسيس الثاني في السنة 21 من حكمه معاهدة سلام مع «حاتوسيليس الثالث» ملك الحيثيين، و تعتبر هذه المعاهدة أقدم معاهدة سلام في التاريخ، و بعد أن نعمت مصر بالسلام تفرغ رمسيس الثاني لتنفيذ مخططاته و مشاريعه المعمارية و الهندسية الخالدة، إلى أن توفي و دفن في وادي الملوك، و قد تضاربت الأقوال و الإعتقادات على أن رمسيس الثاني هو فرعون موسى عليه السلام الذي طلب منه إخراج اليهود من مصر و لكن لا توجد حتى الآن أية حجج أو دلائل أثرية أو نصية تثبت أن رمسيس الثاني هو فرعون الخروج، لأن مومياءه التي نُقلت من مصر إلى فرنسا للترميم و العلاج لا توجد عليها أية أثر للغرق.
نهاية هل سيرتاح الملك رمسيس الثاني في مكانه الجديد أم لا؟ هذا ما قد يكتشفه كل من يذهب إلى زيارة المتحف المصري السياحي الجديد بعد إتمام بناءه، مع استمرار عمليات البحث و التنقيب التي يقوم بها كبار علماء الآثار العالميين و صفوة الرجال المتخصصين و المهتمين بهذا المجال المتعطشين لمعرفة المزيد عن الحضارة المصرية الفرعونية التي لم تشأ أن تُكشف عن كل أسرارها بعد، فكما صرح العالم الأثري زاهي حواس في حوار له أن ما قد تم اكتشافه من الآثار الفرعونية يقدر ب30 في المائة فقط من التماثيل و الآثار المدفونة تحت رمال الصحراء المصرية التي ضمتها و غطتها منذ آلاف السنين.
بقلم : محمد كمال بلحاج