mystry girl فريق الاشراف علي المنتدي
عدد المساهمات : 637 نقاط : 1139 العمر : 30 المزاج : بين امواج البحار
| موضوع: صراع علي الحياه الإثنين سبتمبر 21, 2009 1:07 am | |
|
منذ غابر العصور, و الإنسان يعيش على هذه الأرض, تقوده غريزته و حبه للحياة إلى فعل المستحيل للحفاظ عليها, و التشبث بها, فكيف فعل ذلك؟ .
في بداية المر كان يكفيه ما يجمعه من نباتات أو صيد يصيبه, و لكن الطمع أعمى عينيه فبدا بالتعدي على حقوق أخيه الإنسان, و هكذا بدأت المأساة...
و بدا ذلك الإنسان يتبع شهواته الجامحة, دون زجر أو ردع, حتى باتت السيطرة عليه و الحاكمة له, تأمره و تنهاه, و هو يفعل و يجيب لسماع ذلك فحسب بل يعيش مستمتعاً معها طولاً و عرضاً في حياته, يقتل... ينهب, غير عابئ بغيره غافلاً عما يدمر في شخصه و من حوله.
هذا ما اتبعه بل ما يتبعه, و نحن على أبواب القرن الحادي و العشرين, الأغلبية العظمى من البشر يتوهمون أنهم يفعلون ما يحافظ على حياتهم و يحميهم من خطر النهاية, متجاهلين أن هناك نهاية كما هي البداية, ناسين حقيقتهم التي فطرهم الله عليها.
أولئك هم مرضى الفؤاد, أولئك الذين باعوا الآخرة بالدنيا, فما ربحت تجارتهم.. أمّا الأقلّة النادرة, و التي حافظت على نفسها حتى وقتنا الحاضر, فهم الذين يخشون لقاء ربهم, و يخافون وعيده. يعرفون الحق من الباطل. يحبون الحياة و لكن حياة الآخرة. مدركون تماما الإدراك أن الحياة الدنيا متاع الغرور و أن الحياة الدنيا لهو و لعب و تفاخر بالأموال و البنين. يعرفون تمام المعرفة أن ما عند الدنيا فان, و أن ما عند الله باق. أولئك الذين منّ الله عليهم بنعمة الإيمان, و يالها من نعمة لو قوبلت بما في السماء و الأرض لثقل ميزانها. و لكن لماذا هي الأقلّة من البشر؟ و ما الذي جعلهم يتخذون طريقاً معاكساً لم اتخذه أولئك الناس؟ لِم لم يعد للدنيا مكان في قلوبهم؟ لِم لم تعد تغريهم بمباهجها؟ أم تراها زوّدتهم بهمومها فتجافوا عنها؟ و لكن حتى إن كان ذلك صحيحاً, فالمفترض ألاّ يغرقوا في همومها و أخيراً ما هو ذلك الشيء الذي يتحكم بنا فأمّا أن يرمينا في حفرة من حفر النار و أمّا أن يقودنا إلى غرفة من غرف الجنة. كل الذي نعلمه أن هناك صراعاً أزلياً بين الخير و الشر؟
و متى ؟ و لماذا؟ لا أحد يعلم.
كل هذه الأسئلة شغلتني, حتى باتت جزءاً من حياتي, فرحت أبحث بين المجلدات و الكتب علّي أرى الجواب الشافي. و بينما أنا مستغرقة بالبحث في إحدى المجلدات, نظرت حولي فرأيت الظلام و قد غزا المكان حتى طوّقه, حتى أني لم أعد أرى شيئاً من حولي فأحسست بنوع من الخوف, و القشعريرة قد عرّتني, كان شديد الظلام. و لكن ما هذا؟ أسمع صوت أناس يتجادلون هناك عن بعد, و لكن الصوت يكاد لا يفهم. سأحاول الاقتراب منهم علّني أرشد على شيء أو حتى اعرف أين أنا. و أنا أقترب منهم, كان الصوت يتضح أكثر فأكثر, أظنهم مجموعة من الناس يتجادلون في أمرٍ من الأمور, أحدهم يلقي التهمة على الآخر, و الثاني ينفي ذلك بصراخٍ عالٍ, لم أفهم سبب جدالهم, بشكل واضح, و ها أنا أقترب منهم لأسألهم و لكن آه ما هذا .. لقد تعثرت برجل أحدهم.
عفواً .. يا سيدي.. لم أقصد ذلك فالمكان شديد الظلام, و لم أستطع رؤيتك تجلس هنا. و لكنه لم يجب, حاولت الإمعان فيه أكثر و بالفعل استطعت أن أرى أخيراً ملامح وجهه.
إنه شخص غريب الأطوار, بشع الملامح, يرتدي الثياب الدنيئة السوداء له لحية شعثة, و شعر اغبر ذو جعده كثيفة, عيناه مريبتان لهما بريق يدعو للشك و الريبة, كما انه يثير الاشمئزاز. يجلس في الزاوية ساخراً من أولئك الناس. اقتربت منه أكثر و حاولت النقاش معه علّني اصل إلى شيء.
- عفواً يا سيدي .. لم لا ترد علي..؟
- و هل من الضروري أن أرد عليك؟ لقد تعثرت بي و انتهى الأمر.
- عفواً و لكن لديّ أسئلة أود أن تجيبني عليها, فأنا هنا غريب و لا أعرف كيف وصلت إلى هنا..
- حسناً.. حسناً , هيا أخبرني ما تريد بسرعة. فأنا مشغول برؤية هذا المشهد الرائع.
عجبت لأمره, فهو يستمتع برؤية الناس يتجادلون و يتقاتلون و يضحك ساخراً منهم. فسألته متردداً, بين الاقتراب منه, أو الابتعاد عن شخصية مخيفة كهذه.
- أريد أن أعرف أين أنا؟ و ما الذي أحضرني إلى هذا المكان المخيف؟ و من أنت ؟
- أما أين أنت, فأنت في عالمك الداخلي, و أمّا كيف دخلت فليس من شأنك و ليس من شأنك و لا من اختصاصك أن تعرف من أنا. ثم طأطأ رأسه أرضاً ضاحكاً ساخراً.
- ما الذي يضحك يا سيدي. و لماذا تسخر من أولئك الناس, بدل أن تقوم على مساعدتهم, كان الأجدر بك أن تصلح بينهم, لا أن تجلس ساخراً.
نظر إليّ نظرة احتقار, ممزوجةً بالسخرية و قال:
- كيف.. ماذا تقول؟ .. أنا أصلح بينهم, يا لك أبله حمقاء. إنهم يتجادلون في أمر أنا أوقعتهم فيه فكيف أخرجهم منه.
- و لكن كيف فعلت هذا؟ و لماذا ؟!
- و هذا أيضاً ليس من شأنك.
ثم نهض من مكانه, و اقترب مني, واضعاً كفه, الدنيئة المقرفة, فوق كتفي, فأحسست بالقشعريرة و النفور, و رغبت بالابتعاد عنه و الهروب منه.
نظر إليّ باحتقار قائلاً: لقد أعجبتني أيّها الفتى, سأرافقك في رحلتك هذه, و سأفيدك كثيراً.
حاولت التملص منه ثانيةً و قلت له:
- أستميحك عذراً يا سيدي إلاّ أنّي في عجلةٍ من أمري, و ليس لديّ الوقت الكافي للوقوف معك أو الذهاب معك, فعندي مسؤوليات كثيرة.
أدرت ظهري و تركته ورائي لأتابع رحلتي في المجهول. أحسست يده على كتفي مرّةً أخري يهزني بعنف و يشد قبضته عليّ قائلاً.
- أحسبت أن الأمر بهذه السهولة, لا بدّ أنّك تحلم, فأنت قد أتيت إليّ بنفسك و ليس بيدك التخلص مني, إذا أردت ذلك.
- دعني.. قلت لك دعني.. لا أريد الذهاب معك, فما بي يكفيني, لا أريد أن أرتبط بشخص بمواصفاتك الحقيرة.
إلاّ أنّه أمسك بيدي ثم نظر في عيني فأحسست بإحساس غريب في داخلي جعلني أتقبل ذلك الشخص رغم نفوري الشديد, و كأنه سيطر عليّ بطريقةٍ ما فأنا عندما أقابل شخصاً له مثل هذه الصفات لا أقترب منه حتى فكيف وافقت على أن يرافقني في رحلتي لا أعلم.
حاولت مرةً أخرى التخلص من سيطرته عليّ و نظرت في عينه قائلاً.
- كأنّي أعرفك منذ زمن بعيد و أشعر بالخوف الشديد منك, فما رأيك أن تتركني و شأني أرجوك. فأنا أشعر بكره شديد نحوك و أحب مرافقتك.
و ضحك ضحكةً مرعبة هزتني من الداخل و أحسست العالم يهتز من حولي حتى أنّي وقعت أرضاً فمدّ يده ليساعدني في الوقوف و هو يقول مستهزئا:
- تكرهني, حقاً إنّك لكاذب و الرحلة معي ستبرهن لك على ذلك.
و بالفعل بعد أن امسكني من يدي, أخذ يقودني, و أن أطيعه في كل أمر يطلبه منّي, دون حولٍ و لا قوة, مع أنّي في حالتي الطبيعية لا أقوم بأي أمر حتى أناقشه مع نفسي و أفكر به جيداً, و لا أتقبل ما يقال لي حتى أفكر به طويلاً و لكني مع هذا الشخص لا أفكر أبداً بل أنفذ فقط ما يطلبه مني. رغم كرهي له, و حقدي عليه. إنّه يزداد قرباً منّي وسيطرةً عليّ أكثر فأكثر و كلّما ازداد قرباً توسع في تعذيبي أكثر فاكثر.. حتى أنّي بت أكره نفسي و أكره من حولي...
أكره نفسي لأنّي قد فعلت أشياء غايةً في البشاعة ما اعتدت أن تصدر مني, فقد آذيت ناساً كثراً, كنت أتقصد إيذاؤهم, و رغم أنّي أكره ما أفعل إلاّ أنّي كنت في الوقت نفسه أكره نفسي و أحتقرها كأنّي بت نسخةً طبق الأصل عن ذلك الشخص. و كأنّي لست أنا, بل شخص غريب لا أعرفه فهو شخص دنيء حقير يستحق العقاب, أمّا ذلك الرفيق الحقير فكان يضحك و يهزأ كلّما أقبلت على هذه الأشياء. و الألعن من هذا أنّه بدأ يطلب منّي طلباً غريباً, و هو يجادلني منذ زمن بعيد, إلاّ أنّي أحاول عدم السماح له ففي أحد الأيام و بينما كنت منهمكاً بما صرت إليه من حال جاء إليّ و قال:
- أعرف ما الذي يغضبك و يشغل تفكيرك.
- و ما أدراك.
- أنسيت أنّي أمشي في عروقك, و أعرف بما تفكر
- نعم صحيح.. و لكن قلّي ما تريد و انصرف عنّي فأنا مرهق و أريد أن أبقى مع نفسي قليلاً.
- ما رأيك, و بما أنّك وصلت إلى هذه الدرجة من كره نفسك و بدل أن تستمر في تعذيب الناس من حولك أن تكمل ما بدأت و تنتهي من كل شيء.
- ماذا تقصد!
- لا شيء تنتهي من هذا العذاب
و أشار بيده إلى عنقه و مرّ بإصبعه على رقبته, يريد القتل
- ماذا القتل؟ هذا أبشع عمل يقوم به الإنسان
- لا عليك, إنّه مجرد عمل صغير تقوم به, فتنتهي من كل هذا العذاب.
- ما هذا الهراء؟ تريدني أن أقتل نفسي, أجننت ألا تعرف أنّه من قتل نفسه يعذبه الله يوم القيامة أشدّ العذاب.
- دعك من هذه الخرافات, إنّها مجرد كلمات تناقلها الأجداد من جيل إلى جيل.
- و ماذا في ذلك ما دمت قد وصلت إلى ما وصلت إليه, أتحسب أن قتل النفس شديد, أو صعب, بل على العكس تماماً إنّه أمر أسهل كثيراً مما تظن كلّ ما عليك فعله هو إنجاز ما أطلبه منك, و الباقي علي, فأنت لديك دافع قوي لذلك.
- و بالفعل نزلت عند رغبته, مكرهاً. و بحثت عن سكين فقال لي:
- لا تعذب نفسك.. هذه سكين كبيرة و حادة.
أخذتها منه و وقفت مرتعشاً أمام الناس, و الكل يصيح لا .. لا .. لا تفعل.
رفعت يدي حتى لامست عنقي و هي ترتجف, حتى كادت السكين تقع من يدي إلاّ أنّه أقبل إليّ و ثبتها مسدداً إيّاها نحو عنقي قائلاً:
- هيا .. هيا.. استجمع قواك و لا تخف. فلن تشعر بالألم إلاّ في بداية الأمر فقط.
- هززت رأسي موافقاً على ما قال, ثم أغمضت عيني, و أمسكت السكين بيدي الاثنتين و وضعتها على رقبتي حتى أحسست بحده يكاد يقطع أوردتي.
و إذا بشخص يأتي مسرعاً, ليخطف السكين من يدي و يرميها أرضاً. نظرت في عينيه بعد أن تنفست الصعداء, فرأيت شيخاً, لديه قوة الشباب و عزيمتهم يرتدي البياض, و النور يشع منه عجبت لأمره و مدى سرعته, و سداد تفكيره فعلى الرغم من الموقف الذي كنت فيه, إلاّ أحد من هؤلاء الناس لم يتقدم لإنقاذي بل اكتفوا بالصراخ, و العويل. اقترب مني و وضع يده على كتفي فأحسست بشيء من الدفء يعتريني و قال:
- ما بالك يا ولدي؟ لِم تفعل ذلك بنفسك؟ ما خلقت لتفعل هذا..
نظرت إليه مستغرباً.
- من أنت أيّها الشيخ الصالح؟
- أما عرفتني
- لا .. رغم أنّي أشعر بك قريباً مني جداً, فقد أحبتك منذ أن لاقت عيني عينك.
- لا بدّ أنّك ستعرفني.
اقترب مني.. و هممت لأمسك بيده, رغبة! مني بالنجاة من ذلك الشبح اللعين.
إلاّ أنّ ذلك الشخص عاد, و أخذ يسحبني من يدي, و يقول:
- دعك منه.. إنّه رجل مجنون أبله. قد أكل الزمان عله وشرب, التفت إلى شأنك و ما حولك من حياة و حضارة.. هذا إن أردت النجاة بنفسك و الابتعاد عن الانتحار فهذا أفضل لك دعك من المبادئ و القيم, فما هي إلاّ سفاهات قالها بعض المجانين.
حاولت التخلص منه, ورحت أدفعه و أقول له
دعني, اتركني, إنّي أكرهك, و أكره الحياة معك, دعني مع هذا الشيخ فقد طابت لي الإقامة معه.
لكن دون فائدة, أخذ يشدني, و يشدني, حنى استسلمت إليه أخيراً... و الآن راح يشدني إلى غرفةٍ ضيقةٍ معتمة. و أغلق الباب مقفلاً إيّاه بمفتاحٍ كبير ثم رماه بعيداً و قال:
- هنا أفضل, هنا لن يرنا أحد, و لن يشعر بنا أحد, هيا... هيا... و لا تضيّع علينا بهجتنا. و كأنّه نوع من الطقوس الإفريقية التي يقدم فيها قربان للآلهة و الكل يرقص و يضحك في هذه المناسبة بينما تكون الضحية قد لاقت حتفها بطريقة من طرق القتل المعروفة عندهم. ثم ناولني كأساً مليئة بالسم و قال:
- هيا احتسيها بسرعة, فهذه الطريقة أسهل بكثير, فما إن تضع الكأس على فيك حتى لا تشعر بشيء بعدها أبداً.
و بالفعل وضعتها على فيّ و الدموع تجري على خدي, أما يدي فكانت ترتجف, فأنزلتها و قلت له: أرجوك دعني أفكر بالأمر.
- هيا... هيا بسرعة و لا يكن لديك أمل فلن يصل إلى هنا مهما حاول.
دفع الكأس واضعاً إيّاها على فمي, و الأم يعتصر قلبي, راجياً من الله أن يأتي ذلك الشيخ ثانيةً لإنقاذي, و لكن كيف و الباب موصود الإقفال من الداخل.
و بعد أن استسلمت للأمر و كاد السم يدخل في أحشائي, ما أحسست إلاّ و ذلك الشيخ يأتي دافعاً ذلك الشخص , و آخذاً الكأس من يدي, راميه بعيداً.
- ما بك يا بني.. لمِ تريد إنهاء حياتك هكذا.. دون مقابل.. ما الذي يدفعك للقيام بذلك... فانا أريدك أن تحيى حياةً توصلك إلى نعيم الآخرة, و أنت تسعى بكل جهدك إلى إزهاق هذه الروح البريئة التي وهبك الله إيّاها.
- يا شيخي الكريم, قد فعلت أعمالاً مقت بها ذاتي, و كرهتها, فأردت التخلص منها لأرتاح... فعذابي ضعفين....
- يا بني إن هذا ليس عملاً تقوم به, فالحياة أمامك, و أنت ندمت و الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر, و الله العبد التوّاب, لا تسمع إلى ذلك الشخص فهو يسعى إلى هلاكك.
و بينما هو يتحدث معي, و يحاول تهدئتي, جاء ذلك الشخص و شدني من شعري و قال:
- ألم أقل لك ألا تصغي لذلك الشيخ, الخرف, ألم أقل لك إنه مجنون سفيه ألا تملك عقلاً لفكر به, سآخذك الآن إلى مكان لا يمكنه الوصول إليك فيه مهما حاول...
طأطأت رأسي ... ثم نظرت حولي فما رأيت ذلك الشيخ.. و أخذ هو يشدني و يقول لي:
- لا تنظر حولك فلن تره بعد اليوم أبداً.
- و لكن لما تكره هذا الشيخ, رغم أنه رجل صالح, يسعى إلى سلامتي, و يريد الخير لي و لغيري.
- هذا ليس من شانك.. يا لك من أبله, أصدّقت انّه يمكن لك أن تصبح رجلاً صالحاً هيهات.. لا تحلم بذلك فقد فات الأوان, بل على العكس ستظل تتألم حتى الموت لذا يجب عليك أن تعجل به.
- و لكن
- بدون لكن, لا بدّ أن ذلك السفيه تكن من النفوذ إليك, لا بدّ أن احتياطاتي كانت ضعيفة, أو أن لك ميولاً نحو ما يدعونه الآخرة.. لا بأس.. لا بأس أنا أعرف كيف أردعك عنه, و أكفيك إيّاه.
ثم سحبني إلى مكان بالغ في الارتفاع و قال لي:
هيا ارمِ نفسك, سنرى إن كان يستطيع إنقاذك الآن.
نظرت من أعلى التل فوجدته ذو انحدار مخيف, و هاوية سحيقة فرجف قلبي و رجعت إليه راجياً.
- أرجوك , لا أيد الموت, أريد التوبة, أستطيع ذلك لقد قال لي الشيخ أن الله سيقبل توبتي, و لن أعيد الأعمال السيئة مرة أخرى.
- اخرس, أتظنني سعيد بذلك, بالطبع أنا لا أريد مساعدتك كما تظن ز كما يفعل ذلك الشيخ المعتوه.. قسماً لأن لم ترجع عما أنت فيه, لأعذّبنك عذاباً لا تخرج منه ما حييت, حتى أنك تتمنى الموت آنذاك و لن تبلغه.
رجعت أدراجي و وقفت على أعلى المرتفع, و يداي موثوقين مستعداً لرمي نفسي فأقبل إليّ و دفعني من ظهري.
- هيا.. هيا بسرعة.
أغمضت عيني, و أحسست بالهواء يتحكم بتوازني و فقدانه متأرجحاً بين الحافة و الوقوع و قهقهة ذلك اللعين تعلو.. و تعلو.. , و الدموع تجري على خدي.
و ما أحسست إلاّ و ذلك الشيخ يعود ثانيةً لينقذني, و أخذني من يدي و راح يهزني و يقول:
- ما لك يا بني. ألن تصحو, ألا تزال تصغي إليه و تصدقه في كل ما يقوله. ألم تتبين لك الحقيقية بعد؟. أم على قلوبٍ أقفالها, أم أنك من الذين ختم الله على قلوبهم فهم لا يفقهون , أم أنك من الذين قال الله فيهم كالأنعام بل أضلّ سبيلاً.
ثم رفع يده و لطمني و قال:
- انظر إلى هؤلاء الناس.
نظرت أمامي فرأيت أناس يعذبون بأنواع عذاب لا تخطر على بال.
- فقلت: ما بال هؤلاء.
- هؤلاء الناس. أصغوا لذلك الشخص فأضاعهم. ز أصموا آذانهم عني, فزادهم ضياعاً, حتى أمسوا على هذا الحال.
- و كيف ذلك؟.
- انظر إليهم.. هذا أصغى إليه فعاق والديه. و نهر بهما, فعاقبه الله في حياته قبل مماته, انظر إلى أولاده كيف يعاملونه.
و ذاك متكبر, متعجرف, جمع مال الدنيا, و منع الزكاة, انظر إليه كيف يعيش في ضياع شديد لا يعرف شيء, أضحى كالذي يتخبطه الشيطان من المس.
و انظر إلى ذاك, ارتدى حلة الإسلام من الخارج, و بقي كالأنعام من الداخل يشعر بالاحتقار لنفسه, و يشعر بالفراغ الشديد و الخذلان, انظر إليه كيف كشفه الله أمام الناس فراحوا يحتقرونه و يسخرون منه.
انظر إلى ذاك, و ذاك, كلهم حاولت أن أنصحهم, و لكن وضعوا أصابعهم في آذانهم و صموا الفؤاد عن التذكرة, فأصابهم ما أصابهم فر تكن مثلهم فتشقى.
- قلت: صدقت أيّها الشيخ, و لكني كنت أحبذ البقاء معك و عد السماع لذلك الشخص ليس ذلك فحسب بل كنت أمقته و أكرهه أشدّ الكره.
- أنت تعجب كيف لم تستطع البقاء معي رغم رغبتك في ذلك.
رغم أنّك تملك الرغبة, إلاّ أنّك لم تملك الإرادة, كنت تتصرف كمن سلبت إرادته فلو أنّك تمسكت بإرادتك و العمل بما أمر الله لما استطاع السيطرة عليك أبداً لكنك أصغيت له, و تساهلت معه و خضعت لرغبته.
- الحقيقة لا أعلم كيف أشكرك أيّها الشيخ الفاضل؟
- لا تشكرني بل اشكر الله الذي منّ عليك بنعمة الإيمان و الفطرة السليمة التي تقودك إلى الله جلّ جلاله.
و بينما أنا أشكره و هو يمسح بيده البيضاء, فُتح عليّ الباب, و إذ بابني الصغير يقول:
- أبي.. أبي.. أمي تناديك.. هلاّ أتيت.
لا أعرف ماذا أسمي الوضع الذي كنت فيه, هل كنت فعلاً في رحلة داخل أعماقي؟ أم أنّي كنت أحلم أحلام يقظة و لكن, ذلك الشيخ قد وضع شيئاً ما في يدي ما هذا؟ إنّها ورقة, كتب فيها " بسم الله توكلت على الله, و لا حول و لا قوة إلاّ بالله" يا لها من كلمات يستطيع الإنسان بها محاربة أي شخص يحاول القضاء على حياته, و لا شرط أن تكون إزهاق النفس في هذه القصة بمعناه المادي فكم من بشر أحياء الجسد أموات القلب و الروح. هذا ما ألهمني الله به و ما استفدته من هذه التجربة التي عشتها مع ضميري, و وسوسة شيطاني...
| |
|